السبت، 15 ديسمبر 2012

صعوبات الترجمة - المعنى

المعنى


إن أول   مشكلة تتعلق بالمعنى هي تحديد لشروط الواجب توفرها في كلمة ما أو عبارة حتى يكون لها معنى، ودراسة المعنى تهتم بمعرفة المعاني المختلفة للكلمات والناتجة عن فهمنا لهذه الكلمات ضمن سياق كلامي، واستبيان الصور الذهنية المرتبطة بهذه المعاني.
وقد ارتبطت فلسفة المعنى بطرح العديد من التساؤلات منها:
  • ما هي حدود الفكر البشري التي لا يتخطاها معنى الكلمة؟
  • ما هي العلاقة بين معنى الكلمة والواقع الفعلي؟
  • ما هو معيار قياس المعنى؟
  • كيف نميز الكلام الذي له معنى من الكلام الذي ليس له معنى؟
  • ما الذي يجعل الكلام بدون معنى؟
  • ما علاقة المعنى بالتصورات الذهنية؟
نظريات المعنى:
كذلك و فيما يتعلق بقضية المعنى ظهرت العديد من النظريات في إطار علم الدلالة ساعية إلى إيجاد إجابات لهذه التساؤلات وغيرها ومن هذه النظريات:

نظرية الأفكار الذهنية: تقوم هذه النظرية على أن المعاني تحتل جزء معيناً من العقل وتتخذ شكل صور ذهنية تختزن نتيجة لأثر الحواس، واللفظ لا يعبر في حد ذاته عن أي معنى أو مضمون سوى المضمون الصوتي والنحوي، أما معنى اللفظ فيتحدد وفق الفكرة الذهنية التي تتكون عند قراءة أو سماع النص، وما يفرق هذه النظرية عن النظرية التصويرية أنها اساها ( الأفكار) الذهنية وليس ( الصور) الذهنية. كما أنها تركز أن المعنى هو ترجمة التصورات الذهنية المختلفة للكلمة، وذلك من خلال إيجاد مكافئات تصورية ذهنية تعبر عن مرادفات للتصور الأصلي، وذلك على أساس أن هناك معنى أولي معروف للكلمة وهذا ما يمكننا من البحث عن هذه المرادفات، ولكن هذه النظرية لم تقدم تفسيراً لنشأة المعنى الأولي للكلمة. إن لكل كلمة معنى وفق الطريقة التي يفكر بها كل فرد، وأن معنى الجملة يختلف من فرد إلى فرد، وأن الكلمة تتضمن منبهات تدفع العقل لاستحضار تصورات ذهنية نتيجة للاستجابة للكلمة، والمعنى هو اختبار الصدق في الجملة، لذا فالمعنى تكوين يعبر عن فكرة، ويستحضر تصور ذهني ينتج عنه صور ذهنية متعددة تمثل مرادفات الكلمة
النظرية الاستخدامية: ظهرت في نهايات الأربعينات من القرن الماضي نظرية عرفت بإسم (النظرية الاسمية في المعنىNaming Theory of Meaning  ) ويتلخص مضمونها في أن اللغة تتكون من أسماء وكل اسم يرتبط بمسمى معين من خلال التكرار، وأن إدراك الأشياء يتم بعيداً عن اللغة ثم يحدث الربط فتكون وظيفة اللغة هي التعبير عن خبرات فعلية مدركة، ولكل كلمة معنى واحد يرتبط بالكلمة، والكلمة تكتسب معناها من خلال ربط الأشياء المدركة بالأسماء وأن المعنى يتحدد وفق السياق والكلمة التي لا ضرورة لها في الجملة هي كلمة بلا معنى، فالمعنى يأتي من ضرورة الكلمة للجملة، ثم أتي فتغنشتين الأستاذ بجامعة جامعة كمبردج بنظرية مستحدثة رافضاً أن تكون اللغة مجرد أسماء، وللكلمات وظيفة غير التسمية، ولكل كلمة عدة معان وليس من بينها ما يمكن اختياره كمعنى صحيح وحيد، وأوضح أن معنى الكلمة يتحدد وفق استخدامها في اللغة حيث قال: " لا تبحث عن المعنى، ابحث عن الاستخدام " و " الجملة أداة، ومعناها هو وظيفة تلك الأداة".
النظرية الإشارية: يمكن تلخيص هذه النظرية في أن المعنى هو ما يشير إليه اللفظ في الخارج، ودور اللفظ هو التعبير عن الموجودات الخارجية والتي تدفعنا إلى استحضار صور ذهنية، لكن ذلك قد وجد إشكالية فيما يتعلق بالأشياء غير الموجودة، وهذا ما أدى إلى تطوير النظرية ليصبح دور اللفظ هو الإشارة إلى الأشياء الخارجية الموجودة أو الصور الذهنية الموجودة داخل عقولنا وعلى ذلك يصبح المعنى هو الأشياء المشار إليها خارجياً أو الصور الذهنية المعنوية المستحضرة داخلياً في عقل الإنسان. لكن هذه النظرية تضعنا أمام مشكلات حين نتعرض لألفاظ لا يقابلها موجود خارجي ولا يمكن استحضار تصورات ذهنية لها مثل إن وليت ولعل ولكن ولو أو عن التعامل مع ألفاظ تعبر عني قيم معنوية أو أنشطة عقلية مثل: الحق والأمانة والعلم، والتفكير، والفهم، والجنة والنار، وهذا ما يستوجب ضرورة التفرقة بين المعنى والمشار إليه.
ومثال بسيط على ذلك فقد يكون نفس الشخص هو ابن وأب وعم وخال لكن معنى الابن يختلف عن معنى الأب وعن معنى العم والخال وهكذا نرى مشار إليه واحد لكن المعاني اختلفت، وبالمثل فعندما نستخدم لفظ (طالب) فقد يشير ذلك إلى زيد أو عمرو أو أحمد فهنا كان المعنى واحداً لكن المشار إليه تعدد، ونحن عندما نتحدث عن (الفراعنة) فإننا نشير إلى مشار إليه كان موجوداً ثم زال وفنا لكن المعنى بقي، وبالمثل عندما نقول ( الليلة الماضية) فالمشار إليه هنا قد انقضى لكن معناه لا يزال موجوداً، و تفترض النظرية الإشارية أن كل كلمة لها معنى وحيد دقيق، وأن هناك فارق بين الاسم وما يشير إليه، وأن هناك أسماء لها معان لكنها لا تشير إلى أشياء بعينها مثل أسماء الكائنات الأسطورية والخرافية وأن الكلمة ترتبط بثلاث عوالم هي:
-         عالم الخارج الملموس والذي لا يتوقف على تصوراتنا الادراكية.
-         عالم الذات الذهني والذي يتكون من أفكارنا وتصوراتنا التي تختلف من شخص لآخر.
-         عالم المعنى وهو عالم موجود نقوم باستكشافه سواء جاء في هيئة مادية أو ذهنية.
النظرية البراغماتية: ترى النظرية البراغماتية أن المعنى يتوقف على الصدق، والصدق هنا معيار يعبر عن الخبرة العملية للصورة الذهنية من خلال وقائع ملموسة، ولا مجال للتحقق من هذا الصدق إذ أن الصدق مرتبط القدرة العقلية والتوقيت الإدراكي وهناك الكثير من الأشياء التي نعجز عن تحديد صدقها أو كذبها نظراً لمحدودية القدرات العقلية الانسانية، ومثل ذلك العقائد الدينية والنظريات العلمية، ولكن الفائدة التي تتحقق من هذه الاشياء هي التي تدفعنا لتصديقها، والصدق يعبر عن مجموعة من المعتقدات المجسدة لأحداث نفسية.
إن الفطرة الإنسانية تدفع الإنسان إلى الاعتقاد خاصة في المسائل التي يتوقف وجودها على اعتقادنا بها والتي لا يتوافر دليل ملموس على وجودها، لذا فالمعنى الصحيح هو المعنى المفيد الذي يتفق مع أفكارنا، لذا فالمعنى يقوم على الصدق والصدق نابع من الاعتقاد والمنفعة تتحقق عندما يكون الاعتقاد نافعاً على المستوى العملي.
النظرية الوضعية المنطقية: تقوم هذه النظرية على رفض التعامل مع الفلسفة كعلم يقوم على الحقائق، وانه لا توجد حقيقة فلسفية مطلقة، والحقائق لابد وأن يتم الوصول إليها عبر أسئلة واقعية وإجابات عملية والفلسفة سعي وراء المعنى، واستنباطه، وتوضيحه إلا أن ما يتم التوصل إليه من معنى يتم عن طريق التحليل المنطقي للغة، وترتبط هذه النظرية بمصطلح المعنى الواقعي للتمييز بين المعاني غير المرتبطة بالواقع والناتجة عن التصورات الذهنية المتأثرة بالعاطفة. تركز النظرية على أن معيار المعنى هو الخبرة الحسية التي تفصل بين الأشياء التي يصعب نفيها أو إثباتها، فالشيء الذي يمكن الذي يمكن نفيه أو إثباته من خلال الخبرة الحسية هو شيء ذو معنى وما سوى ذلك يعد عديم المعنى أو بلا معنى.
وتتخطى هذه النظرية حدود الكلمة والجملة لتتناول أيضاً الأفكار وترى أن معنى الفكرة مرتبط بالتحليل المنطقي للفظ المعبر عن الفكرة، وبعد التحليل فإن ما يعبر عن معنى هو وحده الذي يمكن وصفه بأن له معنى، فهذه النظرية تقوم على أن ما يمكن اختباره بالخبرات الحسية هو وحده الذي له معنى أما ما لا يمكن اختباره حسياً فهو بغير معنى، فصدق القضية يتحقق من خلال التثبت الحسي، لكن إمكانية التثبت ذاتها هي التي تحدد المعنى، فإذا ما كان من الممكن اجراء هذا التثبت فإن هذا يعني أن للكلام معنى
النظرية التصورية: توضح هذه النظرية أن المعنى يعبر عن الصورة الذهنية التي تتكون في العقل أو التي يتم استدعائها في العقل عند قراءة أو سماع الكلمة عند السامع، وبالتالي فإن الألفاظ لا تعبر عن الموجودات الخارجية بل عن التصورات الذهنية، وذلك قد يتضح عندما تختلط علينا كلمة سمعناها فننظر للأشياء وفق ما أدركناه بعقولنا من معان استحضرناها من خلال التصورات الذهنية فمثلاً عندما نسمع كلمة (عين) فقد يستحضر السامع العين عنصر الابصار بينما يكون المقصود والمعني هو عين الماء أو البئر، وكذلك عندما نلمح شيء يطير فقد يتوارد إلى ذهننا صورة العصفور في حين أن هذا الطائر هو نسر أو صقر... لذا فاستحضار الصورة الذهنية مرتبط بجودة الإدراك. كذلك توسع هذه النظرية من إطار المعنى ليشمل المفاهيم الفكرية المستحضرة في العقل البشري وليس فقط الصور، ومما يعيب النظرية التصويرية أنها لم تعطي تفسيراً لتعدد الصور الذهنية للشيء الواحد فعندما نقول (طائر) فإن الصورة الذهنية قد تتكون لعصفور أو دجاجة أو صقر، ولم توضح سبب اختلاف الصورة الذهنية من شخص إلى آخر، كما أنها لا تفسر كيفية التعامل مع الصور الذهنية المبهمة للمفاهيم العقلية أو الألفاظ المعبرة عن أمور خرافية غير حقيقي، هذا إضافة إلى أنها تبتعد كثيراً عن إمكانية التجريب العلمي
النظرية السلوكية: تقوم هذه النظرية على أسس علم النفس وإخضاع العلوم الطبيعية لمناهج التحليل العلمي القائم على الملاحظة والتجريب وبالتالي فهي ترفض التعامل مع الأمور الذهنية كالأفكار والوجدانية كالعاطفة وذلك لأنه لا يمكن إخضاع هذه المفاهيم للملاحظة والتجريب. كما أن هذه النظرية لا ترى ثمة فارق بين السلوك الإنساني والحيواني وتضع النظام اللغوي عند الإنسان مكافئ للنظم المختلفة للتواصل عند الحيوان. تذهب هذه النظرية أيضاً إلى أنه لا شيء يتم في الحياة بصورة قدرية أو عفوية بل ينتج عن قوانين ومؤثرات مادية هي التي تشكل السلوك الإنساني، ووفقاً لهذه النظرية فإن المعنى يتجسد في الأثر والاستجابة الناتجة عن استخدام اللفظ، وتجعل من المعنى عملية متكاملة تتضمن الموقف (السياق) الذي وجد فيه اللفظ و الأثر ( الاستجابة) التي يستدعيها المتلقي.
فعند استخدام كلمة مثل (كتاب) فإنها تحدث تأثيراً لدى المتلقي يجعله يصف الكلمة بصورة علمية في ذهنه نتيجة للخبرات التي اكتسبها فيحدد وصفاً للفظ وعلى أساس هذه الاستجابة يتحدد معنى الكتاب فنجد من يرى معناه في أنه مجموعة من الأوراق التي تتضمن كتابة معينة ومنا من يراه بمعنى الرسالة المكتوبة ومنا من يسقط ذلك على معنى ديني فيرتبط لفظ الكتاب عنده بالكتاب السماوي!!
لكن هذه النظرية لا توضح لنا ما يتعلق بالمؤثرات غير الملموسة مثل العواطف التي تؤثر في المتكلم والمتلقي على حد سواء وتغفل نية وقصد الدافع الداخلي، كذلك فإنها لم تأت على ذكر الأسباب التي تؤدي إلى تعدد واختلاف الاستجابات تجاه نفس اللفظ أو التركيب اللغوي فمثلاً:عندما يقول أحدهم ( لم أفهم) مشيراً إلى عدك فهمه لما يقوله المتحدث، فإن الاستجابات هنا قد تختلف.. إذ نجد أن الطرف الثاني قد يقوم بأحد الاستجابات التالية:
  • الاستمرار دون التوقف أو التعقيب على هذه الجملة.
  • إعادة الشرح والتوضيح حتى يفهم صاحب العبارة.
  • إلقاء التبعية على صاحب العبارة واتهامه بانخفاض قدرته على الفهم.
  • تغيير الموضوع كلية أو استبداله.
أو أي استجابة أخرى، فالنظرية السلوكية هنا لا تفسر لنا اسباب تعدد هذه الاستجابات. كذلك فهي لم تفرق بين الاستجابة الناتجة عن اللفظ والاستجابة الناتجة عن الشيء المشار إليه، فبالتأكيد عندما تقرأ أو تسمع كلمة (نار) لا تحدث عندك نفس الاستجابة التي تحدث عندما تختبر النار ذاتها.
النظرية السياقية: تربط النظرية السياقية بين المعنى والسياق وتجعل من السياق الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها النص، وأن السياق وحده هو السبيل إلى تحديد المعنى لذا لا يلزم التعامل الحسي مع المشار إليه أو إيجاد صورة وصفية له أو تعريف علمي كي ندرك معناه بل إن المعنى يتحدد وفق السياق ، ووصف السياق بأنه البيئة اللغوية أو غير اللغوية التي تحيط بالخطاب وعلى أساسها يتحدد المعنى وأهم السياقات: السياق اللغوي، وسياق الموقف، والسياق الإجتماعي والسياق الثقافي، ومن ثم فإن المعنى يعتمد على فصل مكونات التركيب اللغوي عن بعضها البعض ثم إعادة جمعها للحصول على دلالة معينة، وتتم عملية الفصل وفق المستوى اللغوي ومن خلالها يتم استكشاف العلاقات الموجودة بين المكونات اللغوية وبيان الاتزان أو التميز أو التعارض بين هذه المكونات، والكلمات التي يتضمنها النص تكون رسالة تهدف إلى تحقيق هدفين هما التعبير والتبليغ، وبالتالي فإن المعنى يتغير وفقاً لمصدر النص ونوعه وهدفه وطبيعته، لكن هناك من يتغاضى عن كل هذه العناصر بحجة أنها مكونات الخارجية، وأن المعنى الحقيقي إنما يستدل عليه من خلال المكونات اللغوية التي يتضمنها النص كالأصوات والكلمات والتراكيب، وهناك من يؤكد أن معنى الكلمة يعتمد في جوهره على السياق الذي وردت فيه الكلمة وأنه من المستحيل أن نحدد معنى الكلمة دون وضعها في سياق وتتعدد المعاني تبعاً لتعدد السياقات، وهناك من يرى أنه لابد من التعامل مع النص كوحدة واحدة وأن الدلالة لا يمكن إدراكها إلى من خلال نظرة كلية للنص
أنواع المعنى:
من خلال النظريات التي اشرنا إليها فيما سبق يتضح لنا أنه لا يمكن قصر معنى واحد على كلمة بعينها، فمعنى الكلمة يتغير وفق العديد من المؤثرات، وعلى هذا فإننا أمام انواع مختلفة من المعاني يمكننا أن نلخصها فيما يلي:
المعنى الأصلي: وهو المعنى الشائع للكلمة عند أي مستوى من مستويات السياق وهذا المعنى جزء من النظام اللغوي ووظيفته الأساسية التعبير عن الأفكار والمشاعر.
المعنى الضمني: هو المعنى الإضافي الذي توحي به الكلمة ضمن مجموعة من الكلمات فتضيف لنا معنى جديداً، وهو معنى زائد ومضاف إلى المعنى الأصلي ويتحقق من خلال الأنماط الذهنية المخزونة في العقل ويتأثر بالحالة النفسية للمتلقي، والمعنى الضمني يشمل الإيحاءات التي نستحضرها عند سماع أو قراءة اللفظ، فكلمة (شمس) مثلا تحمل إضافة إلى معناها اللغوي إيحاءات الضياء والدفء والوضوح والصراحة والسطوع وغير ذلك من الإيحاءات التي تختلف من شخص إلى آخر، والمعاني الضمنية المضافة للمعنى الأصلي الواحد لا نهائية وتتكون وفق العديد من المؤثرات العقلية والوجدانية الموجودة لدى كل فرد، كذلك فالمعنى الضمني يتغير من زمن إلى زمن ومن ثقافة إلى ثقافة.
المعنى الاجتماعي: هو المعنى الذي يعكس الحالة والظروف الاجتماعية لصاحب النص والمتلقي، فهناك جملة من المعان يتعارف عليها من يعيشون في مجتمع معين ولا يفهمها أو يعرف معناها من يعيش خارج هذا المجتمع ويشير المعنى الاجتماعي أيضاً إلى الروابط والعلاقات الاجتماعية التي تربط صاحب النص والمتلقي ومستوى اللغة وأداة التواصل.
المعنى الوجداني:هو معنى ضمني يتناول المحتوى الشعوري المتضمن في النص والمعبر عن الحالة الشعورية لصاحب النص أو الشعور الذي أراد أن ينقله إلى المتلقي أو الشعور الذي أراد أن يشعر به المتلقي أو الشعور الذي يعيشه المتلقي فعلياً أثناء تعامله مع النص، والمعنى الوجداني أو الشعوري يتكون من خلال الكلمات أو التراكيب أو المواقف أو السياقات أو الإيحاءات المعبرة عن شعور أو انفعال.
المعنى التلازمي: هو المعنى الناتج عن مصاحبة الكلمة لكلمة أخرى بعينها لتعطي معنى جديداً غير المعنى الأصلي مثل (البيت الحرام) والذي يعني الكعبة، أو (رب العمل) بمعنى صاحب العمل.
المعنى السياقي: هو المعنى الذي يتحدد وفق السياق الذي ذكرت فيه الكلمة فإذا أخذنا كلمة (رب) فإن معناها يختلف وفق السياقات التالية:رب السماوت- رب العمل- رب البيت
المعنى النحوي: هو المعنى الناتج عن استخدام اللفظ وفق قواعد نحوية فعلى سبيل المثال: قابل محمد سعيداً ... وقابل سعيد محمداً ومحمد قابل سعيداً وسعيد قابل محمد فرغم أن مكونات هذه الجمل هي ألفا ثلاث ( قابل، ومحمد، وسعيد) إلا أن معنى كل جملة يختلف عن الأخرى نتيجة لتغير الوضعية النحوية للفظ. كذلك القول (لم يقابل محمد سعيداً) فاستخدام صيغة النفي أدى إلى تكون معنى يشير إلى نفي حدث المقابلة مع سعيد ولكنه لم ينفه عن أي شخص آخر، كذلك القول ( ما قابل محمد سعيداً) فهذا يعطينا معنى أن أحدهما لم يلتقي الآخر ويجعلنا نفكر في أن كل واحد ربما التقى شخص آخر
المعنى التداولي: هو المعنى الفعلي الذي قصده صاحب النص والذي قد يتطابق أو يتشابه أو يختلف أ يتناقض مع المعنى الذي تكون لدى المتلقي، وهذا المعنى هو الذي نعنيه عندما نستخدم القول المأثور (المعنى في بطن الشاعر) فلو أن صاحب النص اهتم بتوضيح القصد والغاية من كلامه كان من السهل الوصول إلى المعنى الذي يقصده، وإن لم ينتهج الوضوح والتصريح فإنه قد يدفع المتلقي الى استنباط معان لم يقصدها، وحتى يتحقق الوصول لهذا المعنى –الذي يقصده صاحب النص- لابد وأن يتعاون طرفي الحديث ويتشاركا لازالة أي غموض أو لبس أو خلط يؤدي إلى عدم معرفة المعنى المقصود.
لكي يصل المترجم إلى أعلى مستويات الإدراك للنص المترجم فإنه يتعين عليه أن يستمر في قراءة النص أكثر من مرة وأن يسعى أيضاً إلى قراءة الموضوعات التي ترتبط بما حواه النص من مفاهيم وتعبيرات ومع تمرس المترجم وتزايد خبرته تتضاءل الفترة الزمنية المطلوبة لإنجاز هذه المراحل. إن التعامل مع النص المراد ترجمته عملية أشبه بفك الشفرة decoding ، وعلى المترجم الحاذق أن يتعامل مع النص وكأنه أحجية وأن الكلمات تحمل أكثر من معنى ويكتنفها الغموض.
قد ينشأ غموض المعنى نتيجة أن الكلمة الواحدة قد تحمل معان عدة وكثير من هذه المعاني قد لا يتفق مع المعنى السائد للكلمة أو المعروف لدى المترجم، وقد يمكن للمترجم أن يستنبط أي المعاني هو المقصود أو يتخير أفضل معنى للكلمة وفقاً لما يحتويه سياق النص. وفي المقابل وبينما الكلمات بطبيعتها تختلف بين بعضها البعض ولكن قد تكون هنالك كلمات مختلفة في صياغتها اللفظية ولكنها تؤدي إلى معنى واحد.
على المترجم الانتباه جيداً إلى الالتباس التركيبي والدلالي syntactic and semantic ambiguities للكلمات التي يطالعها في النص.... وعندما يواجه المترجم هذا النوع من الغموض فعليه أن يزيله ويسبر أغواره من خلال ما أسميناه بعملية الترجمة الداخلية قبل أن يشرع في صياغته في ترجمة خارجية. إن من أهم الأدوات التي تساعد المترجم في التغلب على غموض محتوى النص أن يكون مدركاً وملماً بأفكار مؤلف النص الأصلي وخلفيته الثقافية إضافة إلى معرفته الجيدة بثقافة مجتمع هذا المؤلف والخلفية التاريخية للعمل وظروف ظهوره، وغالباً فمهما كان قدر الغموض في النص المراد ترجمته فإن المترجم المتمكن من أدوات اللغة يستطيع أن يلم بمعظم مضمون النص لكن ذلك لا يعني أنه قد تمكن من الوصول إلى مستوى عال من إدراك وفهم النص ما لم يضع نصب عينيه أن هناك ثمة معان أخرى لا تزال كامنة في جوف النص وأن عليه أن يغوص في مضمونه كي يستخرجها، وقد يحتاج المترجم إلى دقائق كي يدرك معظم المعنى الإجمالي للنص إلا أنه قد يقضي ساعات وساعات كي يستخرج جوهر النص، وهذا يبرر لنا السبب في استحالة الوصول إلى ترجمة دقيقة حينما نعتمد على أدوات الترجمة الآلية، فالعقل البشري وحده لديه القدرة على التعامل مع هذا الغموض والالتباس والتضمين وهذا الأمر يصعب على الآلة أن تقوم به في ظل بنيتها الرياضية التحليلية الجامدة، فالأمر هنا ليس مجرد تعامل منطقي حسابي مع النص، وبالرغم من السرعة الفائقة والمعدل المرتفع لذكاء الآلة إلا أنه لا يتسم بنفس مرونة الذكاء البشري
النص بين تعدد القراءات والمعان...
هناك بعض النصوص المفهومة ولا يمكن وصفها بأنها مبهمة، ولكن يكتنفها غموض يجعلنا نفهمها على أوجه متعددة مختلفة، وكأننا نقوم بقراءات مختلفة ينتج عنها معان مختلفة، وتظهر أهمية هذه القضية عند ترجمة هذه النصوص، فنجد أن هناك تباين في الترجمات واختلاف قد يصل في بعض الأحيان إلى التناقض، ويثور الكثير من الجدل حول صحة الترجمة وخطئها. الحق أن الحكم بصحة ترجمة أو خطئها لا يحتاج إلى كثير جهد، فهناك معايير واضحة تتعلق بالسلامة اللغوية، والفهم العام للأفكار، والالتزام بخصائص النص. لذلك فمن السهل التفرقة بين الترجمة الصائبة والخاطئة، ولكن الأمر يتعلق بمستوى دقة الترجمة الصائبة، فالترجمة الصائبة لها درجات، وهذه الدرجات تتوقف على عدة عوامل، من أهمها ما يتعلق بدقة قراءة المترجم للنص وعمق فهمه للمعاني التي قصدها صاحب النص، وهو ما يرتبط بحديثنا هنا عن غموض النص ووضوحه.
تمتاز كثير من النصوص بسمات فنية وأدبية تستهدف وجدان المتلقي ومشاعره، وتسعى إلى رسم صور معينة في مخيلته، والمشكلة في التعامل مع تلك النصوص التي لا يخضع قياسها إلى المنطق والعقل فقط، بل يكون للعاطفة والخيال دوراً هاماً، وذلك أن إدراك المعاني في مثل هذه النصوص يتأثر بالعاطفة المسيطرة على المتلقي وقت تعامله مع النص، وقدراته التخيلية... إن النصوص الأدبية تتميز باستخدام تراكيب لغوية ممتعة، تتعدد دلالاتها بما يدفع المتلقي لإعمال مخيلته في إطار شعوري يحدد النص، فهذه النصوص تشعر المتلقي بأنه يمتلك النص فيشرع في تأطير معانيه ومضامينه وفق المعاني الأقرب إلى نفسه أو التي تدفعه حالته النفسية إلى استحضارها. إن من أبلغ الصعاب التي تواجه المترجم ما يتعلق بترجمة النصوص الأدبية لما تحويه هذه النصوص من بعض غموض ورمزية وإسقاطات ثقافية لا يدركها إلا المتبحر في دراسة آداب اللغة و العارف بثقافة أهلها، لذا فإننا نشدد على أن ترجمة الفنون الأدبية يحتاج إلى فئة خاصة من المترجمين المتمرسين على التعامل مع هذه الأصناف وأقدر أهل الترجمة على ترجمة الأدب هم الأدباء والكتاب وأصحاب المواهب الأدبية الذين أتقنوا لغتي الهدف والمصدر واطلعوا على أنواع آداب اللغتين.
وقد يغمض على المترجم معنى الكلام المغرق في التعبيرات البلاغية كالتورية، والكناية، والاستعارة، والمجاز وغيرها من صنوف المحسنات، لكن ذلك لا يعيق المترجم عميق الاطلاع والإلمام باللغة من الوصول إلى المعنى والقصد إذا ما كانت هذه التراكيب تحمل في ذاتها معان ودلالات يمكن الوصول إليها، ولكن المشكلة هنا تكمن في أنها تضع المترجم أمام استنباطات متعددة للمعنى ولا سبيل إلى الوصول إلى المعنى المقصود إلا من خلال جهد جهيد، فإنكارنا للغموض الناتج عن غياب المعنى لا يقصد به مصادرة حق المتكلم أو الكاتب في استخدام التعابير المجازية المعبرة، بل إننا نشجع على أن يكون الكلام ذا معنى سواء ما يأتي به المتكلم أو الكاتب أو المترجم، ولا سبيل إلى إزالة هذا الغموض إلا من خلال القراءات العميقة المتعددة، واستخلاص المعاني المشتركة بين هذه القراءات، وتغليب ما يتفق مع السياق من المعاني التي لم تتشاركها تلك القراءات. كما أن البحث العميق حول صاحب النص ومعرفة خلفياته والاطلاع على نماذج من فكره، وإن أمكن التواصل مع والرجوع إليه للاستيضاح والسؤال.
يدعي بعض الأدباء والشعراء والكتاب أن جمال النص إنما يكمن في غموضه، وهذا محض ادعاء للتغطية على ضآلة قدرات الكاتب أو المتكلم على توصيل المعنى، ويعكس رغبته –الكاتب أو المتكلم- في ملأ المحتوى النصي بالكلام فحسب، ليعود فيدعي أنه قصد هذا أو ذاك من نصه، رغم أن الكلام بمحتوياته غير مقصود بذاته، فالمرء لا يتكلم من أجل ممارسة فعل الكلام فحسب، وإنما الكلام أداة يستخدمها المتكلم أو الكاتب للتعبير عن قصد وغرض معينين، ويسعى من خلاله إلى توصيل معنى محدد، فإذا ما كان الكلام غير دال على معنى واضح (أو ربما عدة معان يمكن المفاضلة بينها من خلال السياق) فإن الغرض من الكلام ينتفي، ويصبح مجرد تعبيرات لفظية لا ضرورة لها ولا قيمة، ويصبح الأمر كمن يبني بيتاً بلا جدران، أو يزرع شجرة لا ظل ولا ثمر ولا حطب يرتجى منها. إن التأكيد على أن واجبات المترجم عند تعامله مع النص تتضمن الاجتهاد في استخراج المعاني الجزئية والكلية التي يتضمنها النص الأصلي، إنما يقوم على بداهة أن النص الذي يعمد لترجمته يتضمن معنى محدد أو معان محددة متعددة، ولا جرم في أن نجد المترجم قد ابتعد عن المعنى المقصود وشط ليتخطى حدود الترجمة إلى فضاء التأليف إذا ما افتقد النص الأصلي لضرورة وجود المعنى أو المعاني بين ثناياه.
,

المصدر / حسام الدين مصطفى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق